تيسمسيلت عبر التاريخ:
لقد كانت ولاية تيسمسيلت آهلة بالسكان منذ العصر الحجري المتأخر، وتشهد على ذلك الأدوات الحجرية المعثور عليها في كاف اللوز بعين تكريا، واستمرت الحياة بالمنطقة ليشهد الونشريس خلال العهد الروماني مقاومة شرسة للوافد الجديد، ورغم سيطرت الرومان على القسم الشرقي والجنوبي والغربي من الولاية إلا أنه لم يستطع السيطرة نهائيا على القسم الشمالي الذي كانت تقطنه القبائل المورية البربرية.
وخلال الحملة الثانية لعقبة بن نافع الفهري -62/64 هـ - دخل الإسلام إلى الولاية التي استقبلته بترحاب ولن ترد أية مقاومة له على غرار مناطق أخرى، ومن ثمّ صارت المنطقة تابعة إلى الولاة الأمويين بالقيروان إلى أن انقسم المغرب إلى ثلاثة دول كان الونشريس من نصيب الدولة الرستمية التي اتخذت تيهرت عاصمة لها.
وبعد الرستميين خضعت المنطقة للخلفاء الفاطميين بدء من سنة 298هـ لكن ذلك الخضوع لم يدم طويلا وشق أهل الونشريس عصا الطاعة في سنة 312هـ/924م وبقوا على ذلك الحال إلى أن برز إليهم بلكين بن زيري في سنة 360هـ وفرض عليهم الطاعة للدولة الزيرية.
ومنذ ذلك الحين بقي الونشريس تابعا للزريين إلى أن ظهر أبو البهار بن زيري واقتطع الونشريس وتيهرت من ابن أخيه المنصور بن بلكين في سنة 377هـ غير أن ابو البهار لم يصمد أمام الثائر زيري بن عطية المغراوي الذي ملك الونشريس وما جاوره في سنة 383هـ.
وفي سنة 395هـ استرجع حماد بن بلكين الونشريس وضمه إلى دولة الزيرية، وبعد أن أسس دولته الحمادية في سنة 405هـ صير الونشريس إليه، وفي تلك الفترة ظهرت زعامة القبائل بني توجين على الونشريس التي كانت أحيانا تميل إلى الزيرين وأحيانا أخرى إلى الحماديين.
وفي سنة 473هـ استولى يوسف بن تاشفين المرابطي على بلاد الونشريس التي قيضت وجود المرابطين و امتلكت الونشريس في سنة 539هـ وأثناء ذلك كان بنو توجين يتزعمون الونشريس وقد كانت رئاستهم لعطية بن مناد.
ولهذا ضعفت الدولة الموحدية أصبح الونشريس تابعا للدولة الحفصية منذ سنة 632هـ بقيادة عبد القوي، وفي سنة 639هـ صار الونشريس امارة محلية تقودها قبائل بني توجين، وقد أذن لهم أبو زكريا الحفصي في امتلاك ما جاور الونشريس ليتسع ملكهم إلى قلعة بني سلامة بفرندة (تيارت)، من ثمّ ولأول مرة يشهد الونشريس امارة بني توجين.
غير أن يغمراسن بن زيان لم يهدأ له بال من هذه الإمارة التي باتت تهدد طموحاته التوسعية، وهاجمها مرات عديدة ولم يفلح في اخضاعها، وبقيت تلك الإمارة صامدة رغم إصرار الزيانيين على اسقاطها ولم يتسن لهم ذلك الا في مطلع القرن8هـ/14م ليصبح الونشريس منذ ذلك الحين تابعا للدولة الزيانية.
وبعد سقوط الزيانيين ودخول العثمانيين كان الونشريس تابعا من الناحية الإدارية إلى بايلك الغرب، وقد كان مقسم إلى مجموعة من القبائل كل قبيلة يرأسها شيخ، منها ما كانت خاضعة للسلطة العثمانية ومنها ما كانت مستقلة لتمركزها في المرتفعات والجبال.
ولما دخل الاستعمار الفرنسي أرض الوطن وظهرت مقاومة الأمير عبد القادر انضم أهل تيسمسيلت إلى هذه المقاومة في سنة 1835م وقد شرفهم الأمير بأن بنى لنفسه قصرا بتازة سنة 1838م، واتخذ من هذا القصر قلعة كانت تصنع فيها الأسلحة ويحبس فيها مساجين العدو. غير أن تلك القلعة لم تصمد طويلا كباقي قلاع الامير وسقطت في يد العدو يوم 25 ماي 1841م.
ورغم سقوط مقاومة الأمير إلا أن أهل تيسمسيلت بقيت روح المقاومة متجذرة في أعماقهم ليبرز منهم أبطال في حرب التحرير المجيدة أمثال الجيلالي بونعامة، ويشنوا معارك ضارية في الونشريس وباب البكوش وجبل عمرونة وسيدي سعيد ... ويساهموا بقدر كبير في تحقيق الاستقلال.
المعالم الأثرية:
تعتبر ولاية تيسمسيلت من بين الولايات التي تزخر بمواقع أثرية هامة جدا تمثل جميع مراحل التاريخ الذي عرفته الإنسانية من ما قبل التاريخ إلى القديم ثم الوسيط والحديث، حيث يفوق عدد تلك المواقع 50 موقعا أثريا تتوزع على مختلف بلديات الولاية، غير أنه لا تتوفر لدينا معلومات كافية على كل تلك المواقع فالبحث عنها ما زال جاريا ولذلك سنقتصر على ذكر البعض منها.
1- ماقبل التاريخ:
-موقع كاف اللوز:
يقع بعين تكريا ببلدية خميستي، وهو أقدم المواقع الأثرية المتواجدة على تراب ولاية تيسمسيلت، حيث يرجع تاريخه إلى العصر الحجري القديم المتأخر. والموقع عبارة عن ترسبات رملية طينية تتخللها أدوات حجرية متنوعة.
- عين الصفا
وهو ثاني المواقع التي يرجع تاريخها إلى فترة ما قبل التاريخ وبالتحديد العصر الحجري الحديث (النيوليتيك)
وهو عبارة عن كهف صخري يحتوي على نقوش جدارية يصل طولها إلى 11م، تضم عدة مواضيع زخرفية آدمية وحيوانية وكتابات ليبية وبربرية والتيفيناغ ملونة باللون الأحمر.
- موقع بوقايد:
يقع على بعد 600م جنوب غرب منجم الباريت وبالقرب من ركبة العتبة، يرجع تاريخه إلى العصر الحجري الحديث.
2- الفترة القديمة:
- عين تكريا: تقع عين تكريا ببلدية خميستي، وهي تمثل مركزا عسكريا أنشأه الرومان ضمن سلسلة خط الليمس وهي من أبرز المواقع الرومانية على مستوى تراب الولاية، كانت تضم حمامات ومعبد وبقايا ليتجان وأعمدة حجرية وكتابا ت لاتينية.
- قصر كبابة: يقع قصر كبابة جنوب غرب قمة جبل زاردن على الضفة اليمنى من شعبة مهالة بوادي سنسيق وهو قصر روماني ذو شكل مستطيل تتوسط أضلاعه أبراج.
- موقع الخربة أولاد قويدر:
وهو يوجد ببلدية سيدي العنتري يرجع تاريخه إلى الفترة الرومانية وقد كان موضع حصن قديم طوله 40م وعرضه 30م، إضافة إلى منشآت أخرى كانت تغطي الهضبة تصل مساحتها إلى 200م طولا و100م عرضا.
بقي منها حاليا بعض البقايا تتمثل في:
-جرة فخارية كبيرة –قاعدة عمود حجرية. –مهراس حجري –جزء من جذع عمود أسطواني. –ثلاثة قبور حجرية. –ثلاث تيجان حجرية،
3- الفترة الإسلامية:
قلعة الأمير عبدالقادر بتازة:
تعتبر قلعة الأمير عبد القادر بتازة ثاني منشأة عسكرية بناها الأمير، كان ذلك سنة 1838م، وقد كانت تضم قصرا للأمير ومصانع وطواحين مائية، تجري فيها حاليا حفريات اكتشفت على إثرها أجزاء هامة من القلعة.